الاثنين، 11 مايو 2015

نصب وليس نِصاباً

رسالة: النفقات

كتب محمد الأنور :

فصل : نصب وليس نِصاباً

إن الله تعالى أمرنا بالإنفاق , ولم يحدد نصاباً معيناً تجب عنده النفقات ولا تجب فيما دونه , ولا يصح أثر في ذلك النصاب المبتدع الظالم المضيع لحقوق الأمة .

وكما هو معلوم فإن القرآن كامل تام مبين ومفصل في نفسه وبينات وتفصيل لكل شيء في الدين , ومن زعم بأن القرآن ناقص وأنه توجد آثار تكمل نقصانه فقد كفر .

والسؤال : ماذا ننفق ؟

قال تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " [البقرة : 219]

لاحظ قوله تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " , فالزكاة وكل أمر ديني مبين في القرآن وليس في آثار المغفلين والمدلسين والوضاعين .

وهذا يدركه من ينفكر , أما من عطل فكره فيردد ما قاله المبتدعة قبله , من أنه توجد آثار مبينة وتوجد آثار مكملة وتوجد آثار ناسخة .

والعفو هو الفضل والزيادة والكثرة .

أي أن الله تعالى أمرنا بإنفاق ما فضل عن أهلنا , وما زاد وكثر عن احتياجاتنا .

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ "، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ . ( صحيح مسلم واللفظ له , مسند أحمد بن حنبل , سنن أبي داود , مستخرج أبي عوانة , أمالي ابن بشران ) .

وهذا الأثر في سنده ضعف عندي بسبب أبو نضرة المنذر بن مالك العوفي وهو يخطئ , فضلاً عن العنعنة والتفرد , وأنا أشترط ثبوت التصريح بالسماع لأن كل أو أغلب الرواة مدلسون , كما أشترط عدم التفرد .

وهذا الأثر تصححه الفرق الضالة لذا فهو حجة عليهم , ولكن برغم تصحيحهم له فإنهم يعطلونه ولا يعملون به , ولكن يعملون بآثار النصب الباطلة التي أفقرت الأمة وأماتت الكثير من الجوع والظمأ والبرد والتشرد .

والعفو هو الوسط من النفقة ، ما لم يكن إسرافا ولا إقتاراً .

قال تعالى : " وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " [الأنعام : 141]

قال تعالى : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا " [الفرقان : 67]

عَنْ سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي، قَالَ: لَا، فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ، فَقَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ "، لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ . ( متفق عليه واللفظ للبخاري )

وهذا الأثر فيه ضعف عندي , ولكن الفرق الضالة صححته لذا فهو حجة عليهم , ويا ليتهم عملوا به ما داموا صححوه ولكنهم عطلوه كما عطلوا القرآن .

ولقد روي عن ابن زيد  أنه قال : ( كان القوم يعملون في كل يوم بما فيه ، فإن فضل ذلك اليوم فضل عن العيال قدموه ، ولا يتركون عيالهم جوعا ويتصدقون به على الناس ) . 

أي أنهم كانوا ينفقون الفضل أي الزائد عن عيالهم , كما أنهم لم يسرفوا في الإنفاق فيضيعون حقوق عيالهم .

وهذا هو الصواب , لمن كان عنده ذرة من رحمة , فليس في الإسلام نصاب مزعوم وليس في الإسلام إسراف أو تقتير .

فالنصاب المزعوم ما هو إلا نصب , يأكل به الغني حقوق المحتاج .

والسؤال لمن كان له قلب أو عقل أو فكر :

هل يجب عليك الإنفاق فقط إذا بلغ مالك النصاب المزعوم , ولا يجب عليك الإنفاق إذا كان مالك دون هذا النصاب المزعوم ؟

هل إذا بلغ مالك النصاب المزعوم وحال عليه الحول وجب عليك إنفاق الجزء المحدد فقط في الآثار الباطلة ولا يجب عليك إنفاق ما هو أكثر منه ؟

إذا بلغ مالك النصاب المزعوم وحال عليه الحول ثم أديت الجزء المحدد في الآثار الباطلة , هل لا يجب عليك الإنفاق بعد ذلك ؟

هل يجوز أن تترك الجائع والمريض والمشرد وذا الحاجة بحجة أن مالك لم يبلغ النصاب المزعوم , أو أنه لم يحل عليه الحول , أو أنك قد أديت الجزء المحدد في الآثار الباطلة ( نفقات النصاب ) ؟

إن فعلت ذلك ثم مات المحتاج فأنت قاتل بالترك .

ولقد اختلفت الفرق الضالة : هل يوجد في المال حق سوى الزكاة أم لا ؟

وسبب هذا الخلاف هو النصاب المزعوم , ولو كان عندهم عقل أو قلب لعلموا الحق .

تنبيه : اسمها نفقات وصدقات وليس زكاة , فالنفقات والصدقات وسيلة لتزكية النفس وليست هي تزكية النفس .

أيها المحرفون والأغبياء أنتم تصدون عن سبيل الله بهذا الفهم السقيم , فالناظر إلى حالكم وفهمكم سيقول إن دينكم ليس فيه رحمة للمحتاجين .

الحمد لله على نعمة الهدى , الحمد لله على نعمة العقل , الحمد لله الذي عافانا من هذا الجهل والغباء والتحريف .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق